ثقافة الدول العربية

عادة ما تعتمد الأنظمة السياسية الإستبدادية في أسس حكمها محاربة الحس الثقافي باعتبار متبنيه معارضين لمشروع ممارسة حكم الدولة القائمة،فمنذ أن كان المستبد و المثقفون يحاكمون ويسجنون و يعدمون.فالمؤسسات الحاكمة الأوتوقراطية تتعامل مع مسألة الثقافة بالتهميش و الحصار والذي يتخذ شكلا ناعما عبر استراتيجية استقطاب أهل الثقافة و العلم و إبعادهم عن الخط و الإتجاه الأصلي للعمل الثقافي و أيضا للدورالعضوي الذي يضطلع به المثقف ،بأن يرسخ الوعي الديموقراطي لمجتمعه،مساهما بذلك في التأثيروصياغة الحدث السياسي.
فالثقافة و المعرفة يعدا ركيزة بلوغ الوعي الثقافي و الإطار الموجه للوعي الإقتصادي و الإجتماعي،والثقافة في شقها الفلسفي تعتبر الأساس و العماد المؤسس للوعي السياسي الناهض بثقافةحقوق الإنسان كفكرعقلاني تنويري وإنساني،فالثقافة في بعدها الفلسفي السياسي الحديث ارتبطت بالتعريف بالحقوق المدنية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الثقافية، تحديدا بالتطرق لمفهوم الإنسان في بعده الكوني،وبالتصدي لأي نزعة مبادئية تشكك في واحدية الديموقراطية،فالمبادئ الديموقراطية مبادئ كونية قابلة كي تستنبت في أي تربة مجتمعية مع تبييئتها تبييئة حسنة مع الخصوصية التاريخية و القيموية لكل مجتمع على حدى.
فما هو واقع الثقافة في الدول العربية؟ و في أي الإتجاهات يمكن للثقافة أن تنضج و تنمو؟وما هو موقع المثقف العربي من الأزمة البنيوية و الشمولية التي تتخبط فيها الدول العربية؟
تعيش الثقافة في الدول العربية وضعية مأساوية الإنحطاط و الركود ،والتبخيس و التجاهل و التطويق و تخصيص مقابر في شتى الأقطار العربية للثقافة.فآخر ما يفكر فيه القائمون على الدول العربية هي الثقافة.
فما قيمة الكتاب عند عرب القرن الواحد و العشرين؟و أين هم من المسرح و السينما و الموسيقى من حيث الجانب التكويني و التربوي؟
تساؤلات الإجابة عنها تسبقها الحسرة و الإحساس بالمرارة ،ففي السياسات الحكومية للدول العربية لا يعطى أي اهتمام للكتاب بالتهييء لميزانية محترمة و لاستراتيجية محكمة وإرادة لنشر ثقافة الكتاب كتربية للمواطن وكذا الرفع من حضوراللغة العربية في البحوث العلمية والأعمال الشعرية والروائية..
وبالنسبة للمسرح و السينما و الموسيقى و بخلاف الأدوار التي من اللازم أن تعبر عن الواقع المعاش أيضا تهذيب و تقويم و إصلاح اعوجاجات الذات الإنسانية, يغيب التكوين المسرحي و السينمائي بسو أ لتواصل البيداغوجي في المعاهد التكوينية ،وتغيب و ياللأسف محاكات العملين السينمائي و المسرحي للواقع العربي الحقيقي،واقع التخلف والمآسي الإجتماعية….
أما المثقف العربي فلقد تعددت مواقفه الخياناتية بين الإسترزاق بتوظيف الثقافة كقنطرة للإغتناء و لإحتلال المواقع،أيضا الرقابة الذاتية بداعي الخوف ، زد على ذلك سياسة الإستقطاب التي تتبناها جهات معينة و هذا ما يفسر خوفها من الوعي الثقافي قبل أن يفسر مدى قدرتها على الجلب و تحقيق مشروعها اللاشعبي .
الدول العربية الآن تعيش أزمة على جميع الأصعدة،التراجع الإقتصادي و المشاكل الإجتماعية و انتهاك حقوق الإنسان و على رأسها حرية الصحافة،أيضا أزمة على مستوى العمل الحزبي و الدساتير اللاديموقراطية و كذا الأزمة الثقافية.
إن الثقافة التي تحرر الشعوب و تجعل منهم مواطنين لا أشباه ذلك لا تعنينا بالضرورة أن تنبع من ذواتنا بأن تغرس فينا من الخارج،كفى أن تكون الثقافة نحن.
لكن الثقافة الإيجابية ـ ثقافة حقوق الإنسان ـ لا يمكن أن تحفظ بقاءها في ظل غياب الديموقراطية، و لأنه عندما تغيب الديموقراطية ينعدم الفكر و الإنسان و يصبح كل شيء مباح.

» الدول و عواصمها
» معاني أسماء الدول
» انتشار اللغة العربية في العالم
» تجربة النضال باللغة العربية في إفريقيا

صفحة 1 من اصل 1